ربِّ اغفِر لوالدَتي وارحَمْها كمَا ربتني صغيراً، واجعَل قبرَها روضَة مِن رِياض الجنة، واجعلها وإيانا مِن وَرَثةِ جنة النعيم

9‏/5‏/2011

لماذا سمي النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أمياً؟

وصلتني رسالة إلى بريدي الالكتروني بعنوان: (لماذا سمي النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أميا؟)، ولما قرأتها وجدتُ فيها مخالفة واضحة للآيات القرآنية، والآثار المروية الصحيحة.

وهذا هو نص هذه الرسالة (دون تصرف): 


(سألَ أحد الناس الامام علي بن موسى بن جعفر الرضا (عليه السلام)، فقال له:


يابن رسول الله لم سمي النبي الأمي؟ فقال عليه السلام: ما يقول الناس؟ فقال الرجل: يقولون أنه سمي الأمي لأنه لم يكن يحسن أن يكتب أو يقرأ.
فقال عليه السلام : كذبوا على رسول الله، حسبهم الله، إذن كيف يقول الله في محكم كتابه المجيد وبيانه الحكيم  [هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة]، فكيف كان يعلمهم ما لا يحسن أصلاً؟


 والله لقد كان رسول الله يقرأ ويكتب بعدد لغات اهل الأرض والسماء، مما علمه عالم السر وأخفى، وإنما سمي (بالأمي) لأنه كان من أهل مكة، ومكة من أمهات القرى، وذلك تجده في قول الله عزو جل [ولينذر أم القرى ومن حولها]).

ولي توضيحات يسيرة على ما ورد في هذه الرسالة؛ ضمن الوقفات التالية:

الوقفة الأولى: موقف المسلم الحريص على دينه من أمثال هذه الرسائل البريدية:

ورد في هذا الموضوع المنقول؛ والذي انتشر في مئات المواقع والرسائل البريدية ما لا يصح، وفيه من التأليف والتلفيق ما يَتَفَطَّنُ له مَن لديه أدنى اطلاع، وينبغي لكل مسلم حريص على دينه أن يتأكد من كُلِّ ما يستقبله ويرسله؛ لئلا ينشر الباطل وهو لا يدري! إذ أنه لا يجوز نشر مثل هذه الأكاذيب، وبالخصوص إذا كانت أكاذيبَ على نبينا وحبيبنا محمد - عليه الصلاة والسلام - .


فعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كفى بالمرء كذبا أن يُحدِّث بكل ما سمع)). (أخرجه مسلم). والتحديث بالكذب يدخل فيه النشر عبر الرسائل البريدية والمواقع الالكترونية.


وقد قال الإمام التابعي محمد سيرين – رحمه الله -: (إن هذا العلم دين؛ فانظروا عمن تأخذون دينكم)؛ فلا ينبغي تصديق كل ما هَبَّ ودَبَّ من الرسائل البريدية المتكاثرة، والتي قد تحوي أموراً قام بكتابتها من ينوي التشكيك في مبادئ الدين الحنيف، أو من ينوي دَسَّ السم في العسل.
وبالمقابل وكمقارنة: فلو أُرسِلَت إلى أحدنا معلومة طبية حول دواء، أو مرض من الأمراض؛ فإننا سوف نتأكد ونبحث حول هذا الأمر خوفاً على الصحة! فلم لا يكون هذا دأبنا في أمثال هذه المعلومات المتعلقة بالدين الحنيف!


والأدهى والأمَرُّ أن بعض من يرسل أمثال هذه الرسائل يطالبك بضرورة الإرسال إلى كل من هو مضاف لديك! بل ويربط هذا الأمر بحبك لله تعالى، وللدين، وللنبي – صلى الله عليه وسلم -؛ فإن لم تُعِدْ إرسال الرسالة إلى المضافين لديك فهذا يعني أنك لا تحب الله ورسوله ودينه؛ فيا عجبي!!

الوقفة الثانية: حول أمية الرسول - صلى الله عليه وسلم -:

وكون النبي – صلى الله عليه وسلم – أمياً لا يقرأ ولا يكتب؛ لا ذم فيه بحقه؛ إذ أن هذا الوصف هو عينه ما وصفه به الله – سبحانه وتعالى - في محكم التنزيل؛ إذ قال – جَلَّ وَعَزَّ -: [هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ] (سورة الجمعة: 2).


وقد روى البخاري في صحيحه في كتاب (بدء الوحي): ... حتى جاءه الحق وهو في غار حراء؛ فجاءه المَلَكُ فقال: اقرأ ! قال: ((ما أنا بقارئ))؛ قال: ((فأخذني فَغَطَّنِي؛ حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني؛ فقال: اقرأ ! قلت: ما أنا بقارئ؛ فأخذني فغطني الثانية؛ حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني؛ فقال: اقرأ ! فقلت: ما أنا بقارئ؛ فأخذني؛ فغطني الثالثة، ثم أرسلني؛ فقال: [اقرأ باسم ربك الذي خلق، خَلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم] ...)) (صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي، الحديث الرابع).


وهذه الرواية واضحة لا مِرية فيها، وهو – صلى الله عليه وسلم – القائل عن نفسه في هذه الرواية: ((ما أنا بقارئ)). أي: أُمِّيٌّ؛ لا أقرأُ، ولا أكتبُ !

الوقفة الثالثة: العرب كانوا أميين قبل الإسلام:

ووصف الأمية ليس مما تَفَرَّدَ به الرسول – صلى الله عليه وسلم -؛ بل هكذا كان حال العرب قبل الإسلام، وكُتَّابهم كانوا قليلين؛ وفي هذا يقول الله – سبحانه وتعالى -: [ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ ]؛ فأشار في هذه الآية الكريمة بأن العرب الذين بُعث فيهم النبي – صلى الله عليه وسلم – أميون لا يقرؤون ولا يكتبون، وقد بعث فيهم نبي أُمِّيٌّ مثلهم!

بل إن وصف الأمية كان سِمَةً من سِماتِ العرب؛ لأن العرب كانوا يعتمدون على الحفظ لا على الكتابة؛ وفي هذا يقول الناظم الشيخ (عبد الله بن محمد سفيان الحكمي) - حفظه الله – في منظومته: (عُدَّة الطلب بنظم منهج التلقي والأدب):

والحِفظُ من خَــصَائِـصِ العُرْبِ كَـمَـا      أتَـىَ عَـنِ المـخْـتَارِ نَـصّـاً مُحـكَــمـاً
ألْـــفَـاظُـــهُ كَـــمَـا أَتَـــتْ مَــرْوِيَّــــةْ      بِـــالـــنَّــصِّ (إِنَّــا أُمَّــــةٌ أُمِّـ،ــيَّــــةْ)
أَتْـــبَـعَها بِـــقـولِـــه: (لا نَـكْـــتُــبُ)،      وبَعدَ وَاوِ العَطْفِ جَا: (لا نحـسُـبُ)
وهو حَـدِيثٌ في الصَّحيـحَـيــن وَرَد،      صَلَّــى عَلـى قَائِــلهِ الفَـرْدُ الصَّمَـدْ

والحديث الذي أشار إليه الشيخ عبد الله الحكمي في منظومته ورد عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إنَّا أمَّة أمِّيَّة، لا نَكتُبُ، ولا نحسُبُ الشهر هكذا وهكذا؛ يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين)) (رواه البخاري:1814، ومسلم:1080). وفي الحديث تفصيل وأحكام لا يتسع المقام لذكرها.

الوقفة الرابعة: قراءته وكتابته - عليه الصلاة والسلام - بلغات أهل السماء والأرض!

ورد في الرسالة قوله: (والله لقد كان رسول الله يقرأ ويكتب بعدد لغات اهل الأرض والسماء)!! وهذا فيه من الكذب الصريح على النبي – صلى الله عليه وسلم – ما يأنفه المسلم المطبق لأوامره – عليه الصلاة والسلام -؛ فهو القائل: ((من كذب علي متعمداً؛ فليتبوأ مقعده من النار)) (رواه البخاري 1229).

ففي الرسالة كذب على النبي – عليه الصلاة والسلام – بأنه كان يقرأ ويكتب بعدد لغات أهل الأرض والسماء؛ وهو قول لا يصح، وعارٍ عن الدليل.


بل ورد خلاف هذا؛ فعن زيد بن ثابت – رضي الله عنه – قال: أمَرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَتَعَلَّمْتُ له كتاب يهود، وقال: ((إني والله ما آمن يهود على كتابي))؛ فتعلمته، فلم يَمُرّ بِي إلاَّ نصف شهر حتى حَذَقْـتُـهُ، فكنت أكتب له إذا كَتب، وأقرأ له إذا كُتب إليه. (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

وفي رواية: ((تعلم السريانية؛ فإنها تأتيني كتب من يهود، ولا آمن يهود على كتابي)). قال زيد: فتعلمتها في نصف شهر. (رواه أحمد، والبخاري في صحيحه تعليقاً).


وهذا دليل ساطع، وبرهان قاطع؛ في أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان لا يعلم لغة يهود! ولو كان يعلم لغتهم السريانية لما احتاج إلى أمر زيد بن ثابت ليتعلم لغتهم، وليترجم له – عليه الصلاة والسلام -!

وكذلك الحال في رسله الذين كان يرسلهم إلى الملوك؛ فقد أرسل – صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل - ملك الروم – وغيره؛ رسلاً يتكلمون العربية ليدعوهم إلى الإسلام، ولو كان – عليه الصلاة والسلام – يعلم لغة الروم والشعوب الأخرى لاستخدمها بالكتابة إليهم!

هذا والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على حبيبنا النبي الأمي محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...

5/جمادى الآخرة/1432هـ

هناك تعليق واحد:

  1. بارك الله في عمركم وعملكم وجهودكم.

    اللهم صلي وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم اجمعين
    اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
    وردنا اليك ردا جميلا
    امين يا الله انت ارحم الراحمين

    ردحذف

تشرفني مشاركتك بتعليق، أو تصحيح، أو توجيه.
شاكراً لك زيارتك، وراجياً لك الفائدة.
وأعتذر مسبقًا عن حذف التعليقات المحتوية على أرقام الهواتف أو البريد الالكتروني!

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة